السبت، 23 أغسطس 2008

علم الجرح والتعديل

في صدر الحضارة الإسلامية مثل علم الجرح والتعديل (علم الرجال ) احد اكبر الروافد التي ساهمت في تعزيز القيم الأخلاقية التي حث عليها الإسلام.
وان كان هذا العلم قد نشأ لحاجة شرعية ملحة تمثلت في جمع أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام من الرواة العدول إلا انه وبصورة مباشرة ساهم في رفع مستوى اللياقة الأخلاقية لدى أفراد المجتمع عامة ، الذين عايشوا هذا الحراك العلمي الذي استوعب طلبة العلم على مختلف تخصصاتهم وتوجهاتهم بعد ذلك .
إذ لم يكن سهلا على أي شخص أن يوصف بالكذب أو التدليس أو الزيادة في حرف من حروف الحديث الشريف ، لان تلك الصفة كانت ستفضحه في كل مكان وتجعله أضحوكة بين الناس .
وإذا أضفنا إلى قيمة النص الشرعية التربية المجتمعية الملتزمة بمنظومة أخلاقية سامية ، سنقف حتما على حقيقة النشاط التربوي الذي استوعب أفراد المجتمع وسما بهم فوق الشبهات والأهواء .
علم نقد الرجال أو علم الرواة كما يسمى في بعض الكتب ساعد على إبراز قيمة الصدق كخط دفاعي يحمي كل ما هم ثمين ومقدس ، وعكس دوره في تكوين مجتمع صادق ينأى بنفسه عن الزيف والكذب والادعاء ، مما حمى الأفراد من الممارسات غير المسئولة التي ضجت بها المجتمعات ذات السقف الأخلاقي المنخفض والتي لم تعد تنكر على أبنائها الخروج عن الآداب العامة .
من الأسئلة التي كثيرا ما بتناقلها الناس : ما جدوى الحفاظ على المبادئ في زمن تسيد فيه من غابت ضمائرهم ، وحكمت فيه المادة ، وأصبح فيه للرويبضة منابر لا يتاح مثلها للشريف المؤتمن .
مثل هذه الاحتجاجات تتزايد يوما بعد يوم لتصنع ثقبا في المفاهيم السائدة في المجتمع ، وتفرز أجواء يسودها الإحباط ويشملها السكون وقلة الرغبة في تفعيل المفاهيم العليا على الأرض .
يقلب احدنا وجهه يمينا ويسارا ليرى أن اللف والدوران وتكريس الفرص للمصالح الشخصية هو السلوك الشائع ، مما يفرز جملة من الأسئلة الموضوعية حول الأسباب الحقيقية لانتكاس القيم على هذا النحو المريع .
كيف علا الزيف ، وساد النفاق؟ وكيف تراجعت معايير الكفاءة والأخلاق أمام طغيان النفوذ والسلطة المادية ؟ وماذا يصنع الإنسان بكم المبادئ النوعية التي يحملها ؟!!
هل يتعامل معها على أنها فائض لا حاجة له بها في زمن غلبت فيه المادة وتسيدت فيه فوق الرؤوس ؟
إلا يتبرأ منها معلنا اندماجه الكامل مع المنظمة الأخلاقية الجديدة ، حتى يضمن لنفسه مكانا في قائمة الرابحين ؟!
هل يتنكر لكل ما وعاه عقله حين كان على أعتاب الدراسة حول دور الالتزام بالشرف ، والمواطنة والصدق والأمانة ، وسائر المصفوفة القيمية الراقية في حماية المكتسبات والارتقاء بالحياة؟
أم يظل شامخا بحزمة المفاهيم التي يملك والمعايير التي تلقاها باكرا معلنا حالة التمرد على زبد الواقع ، وكله إيمان وثقة أن البقاء للأصلح والأجود والأكثر نقاء وإشراقا؟
كيف يقرا التاريخ الذي علمه أن قوة الأخلاق سلاح لا يخذل صاحبه ، بينما يرى أن ضعفاء الأخلاق هم الذين تقدموا الصفوف وحصدوا الفوز ونالوا جوائز الانجاز ؟!!
أسئلة تدور بالليل والنهار في أذهان الأسوياء ممن ما زالوا يتمتعون بالإيمان بان متانة الأخلاق كنز لا ينضب غير أنهم –كسائر البشر- تمر بهم أسئلة صاعقة كلما زاد احتكاكهم بالحياة من حولهم ، ونظروا إلى المعادن الرديئة وهي تكبر وتنتفش ، رغم أن مكانها الذي تستحق هو المؤخرة على طول الطريق .
وحتى لا تكثر الأسئلة ويزداد عدد المغمومين من واقع يحابي الخطأ ويتصنع له ، على الغيورين أن يستفيقوا من هوايتهم في التفرج ، ويعملوا على وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وإلا فان مزيدا من التدهور على مستوى الأداء المؤسسي أو السلوك الاجتماعي ستشهد قريبا لان هناك من يتعمد تجاهل الكفاءات في سبيل مجاملات وحسابات شخصية يعود ضررها على المجتمع كاملا .

ليست هناك تعليقات: