الجمعة، 29 أغسطس 2008

البلادة حين تعم

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :"عجبت من جلد الفاجر وعجز الثقة" ، وقد سجل التاريخ هذه الكلمة للفاروق الرجل الملهم الغيور على مصلحة دينه وعلى أبناء أمته ، وحفظها طيلة القرون الماضية ، كواحدة من ذخائر الفكر الإسلامي التي تصور حالة غريبة من الحالات التي يمر بها العقل المسلم ، يكون فيها صاحب المبادئ شخصا ضعيفا مسلوب الإرادة ، عاجزا عن المقاومة مستسلما للتيار ، تخور قواه ، وتخذله إرادته فتطيش سهامه ، ويقرر الانكفاء على نفسه ، والتراجع عن مواقفه إزاء القوة التي يظهرها أصحاب الاتجاه المضاد ، أولئك الذين يحاربون المبادئ ، ولا يدخرون وسعا في الترويج لمشاريعهم الهدامة ، ويحتالون لها بشتى الوسائل والحيل .
ومن اللافت أنهم ينجحون في حين يخفق خصومهم الشرفاء ، الذين سرعان ما تنقطع أنفاسهم ، وتتكسر عصيهم ، ويؤثرون الطويل كخيار يحتمون به من أخطار المواجهة مع الخصوم الأقوياء!!
أي حالة غريبة هذه ؟ وأي هزيمة يمنى بها المجتمع في رجاله الثقات الذين رضوا من الغنيمة بالإياب ، وآثروا راحتهم على مستقبل مجتمع بأكمله كانوا خليقين لو توفرت لهم بعض الشجاعة أن يساهموا في النهوض به وحمايته من تجار العبث واللهو والفكر الرخيص ؟
ترى ألا يحق لنا أن نتساءل إزاء هذا التخاذل المكشوف من أحق باللوم والتوبيخ ؟ هل هم المفلسون من القيم ، المغيبون عن ذواتهم ، الذين ضعفت لديهم الرؤية ، وفقدوا القدرة على تحديد الطريق الأجدر بالإنسان الناضج ؟ أم هم هؤلاء الذين عرفوا وتراجعوا عن أدوارهم الحضارية في تعريف الجاهل ، والأخذ بيد الحائر ، وحماية المجتمع من المتطفلين والأدعياء ؟!
إن مما يدمي القلب ويجلب الهم والنكد أن نرى أشخاص يتمتعون بالكثير من الوعي ، والكثير من الخير المخبوء في سرائرهم لكنهم – مع الأسف الشديد – لا يثقون في إمكانياتهم ، ولا يطمئنون لقدرتهم على المشاركة في التأثير في الأحداث والمواقف العامة .
لقد تدثر هؤلاء بلحاف الكسل ، وركنوا إلى الأحلام والمنى عساها تنوب عنهم في تجسير الصلة ما بين القيم العليا وما بين واقع الناس ، وركبوا مركب العجز فأنزلهم أرضا قاحلة ليس فيها ري ولا زرع .
لقد سدر الأمين وهجع ، ومال على احد شقيه ، وعلا شخيره وتدفأ في لحافه الوثير ، تاركا الدنيا خلف ظهره تموج بمن عليها ، وتغلي بما فيها ، وتقيء أخلاقا رديئة ، وسلوكيات فجة ، وممارسات تعيق المجتمعات عن أداء دورها في البناء وتحقيق الذات ، مما أشاع حالة من الخدر والرغبة في التثاؤب ونشر ثقافة ضحلة ، تبشر بمستقبل أغلب أفراده يركضون وراء أغراضهم الخاصة بعيدا عن الانتماء لأهداف هي أجدر بالإنسان .
ترى إلى من نوجه أصابع اللوم وعبارات الاتهام ؟ هل للجهلاء الذين فاتهم من المعرفة الكثير ؟ أم لفئة من المخلصين الذين وثقنا بهم وخذلونا ، ورشحناهم ليمارسوا أول عقبة لكنهم تعثروا أمام أول عقبة ، وسقطوا أمام أول اختبار ، حتى إذا أتى الذئاب يعوون من كل صوب وجانب وجدوا أصحاب الشياه مشغولين بأنفسهم ، فوثبوا على الحمى وتقمصوا دور الحارس بعد أن تأكدوا انه اضعف من أن يدافع عن حقوقه ، أو يحمي سواه .

ليست هناك تعليقات: