الجمعة، 29 أغسطس 2008

امة سلاحها الصوت

حين يقال عن العرب : أنهم ظاهرة صوتية ، تبدع في الكلام ، ولا تجيد العمل ، تجد هناك من يتململ ، ويشيح بوجهه ، ويضيق ذرعا بهذا الحكم الذي يعده جائزا ، ويراه ابعد ما يكون عن الصواب!
ولو سالت هذا المؤمن بعافية الأمة ونجاتها من الضعف عن الأدلة والبراهين التي يملكها على صواب حكمه ، فانه سيحتار في إعطائك أدلة دامغة على حيوية الشعوب في مجال العمل الجاد المنطلق نحو المستقبل بخطوات مدروسة ومنظمة!!
إن الواقع – مع الأسف البالغ- يؤكد المقولة السائدة بأن العرب غدوا ظاهرة صوتية ، فهو يعبر عن الهوة البعيدة بين الأقوال وبين الأفعال كما انه يعكس حالة من اللجوء إلى الهروب ، والأعراض عن صوت الواجب الذي ينادي ويلح في النداء !! فلو فتحنا على سبيل المثال ملف العلاقة بين الشعوب ، والقضية المحورية التي يقوم عليها جوهر الصراع في المنطقة ، لوجدنا أن الظاهرة الصوتية هي الوصف الأكثر قدرة على الدلالة على الكيفية التي تعبر بها الأمة اليوم عن انتمائها وعاطفتها لفلسطين .
من أوضح الأمثلة على هذا القول المظاهرات التي ألفنا خروجها بعد كل تصعيد في العنف يقوم به الصهاينة ، والتي ليست سوى عملية تنفيس عن شعور بالغضب العارم اتجاه ظلم الأخوة في فلسطين ، والذي سرعان ما تخف وتيرته ويهدأ هديره بعد الفراغ من المشاركة في هذا العمل الجماهيري الصاخب!!
ولان سلاح الصوت سلاح مؤقت فان عودة الهدوء إلى الشارع العربي كان أمرا متوقعا .
غير أن السؤال ، هل كان ذلك السلاح الصوتي هو آخر سهم في كنانة الملايين الذين رموا به أعداء فلسطين ؟ الجواب حتما لا ، فلقد حركت تلك الشعوب عاطفة مازالت "حاضرة" في قلوب الكثيرين ، غير أن ما ينقص هذه العاطفة هو اكتفاؤها – في أحيان كثيرة- بأقل من مساحة التعبير على ارض الواقع ، مع اختيارها للوسائل المحدودة الأثر ، والتي تعتمد على أسلوب التنفيس عن الانفعال أكثر من اعتمادها على الأساليب التضامنية ذات الأثر البعيد ، الطويلة المدى ، والمدروسة الخطوات .
هذا القدر من القناعة باليسير من الجهد لصالح القضايا القومية يتجلى في العديد من اختيارات الحياة ، وفي الكثير من التصرفات التي تنم عن خذلان واضح ، وتجاهل شديد لصوت الواجب الذي يلح في كل ظرف وحين .
فأنت ترى أن هذه العاطفة تختبئ وتتواري حين يستدعي الظرف الإعلان عن وجودها ، والإصغاء لصوتها ومطالبها ، وتكاد تصل لمرحلة الضعف أو الأفول حين يتعلق الأمر بموقف يؤكد مكانة القضية في قلوب الناس .
الشواهد والأمثلة كثيرة على تراجع العاطفة الفاعلة من القلوب ، ومناسباتنا الاجتماعية فيها غنى وبيان .
التحضير لحفلة زفاف على سبيل المثال بات مناسبة للتباهي بالمظاهر وإظهار الترف بصورة تعكس حجم اللامبالاة بالأمور المهدرة ، رغم انه كان بالإمكان اقتطاع جزء منها لصالح القضية الكبرى التي تشغل المسلمين.
المكابرة والإصرار على السير حتى نهاية الطريق في مجاراة المناخ الاجتماعي تظهر فيما لو تجرأ احد المخلصين وتساءل عن سبب كل هذا البذخ ، رغم معاناة الأمة وهمومها المتراكمة ، وقد لا يحظى السائل بأكثر من التهكم عليه ووصمه بالبخل أو الحسد والضغينة .

ليست هناك تعليقات: