الجمعة، 29 أغسطس 2008

الإجابة الخطأ

في عام 1912 كان الضابط الفرنسي البارز (أرنست بيكاري) يجوب الصحراء الموريتانية برفقة دليل مسلم من أبناء الصحراء ، التي تحولت إلى ارض منهوبة على يد الجيش الفرنسي المحتل ، وكان مصرا على تلقين أبناء تلك الأرض دروسا متتالية حول المساحة الشاسعة التي تفصل مابين المدنية الغربية والعالم الإسلامي ، كما سنحت له فرصة الاحتكاك بهم .
وبينما هو في الطريق بصحبة دليله الموريتاني ، وجه للأخير كلمة عكست نفسيته الموترة حين قال له : هل تبين لكم أننا نحن الأقوى والأكثر جدارة بالسيطرة على الأرض ؟ وهل أدركتم الآن حجم القوة التي نملك والتي لم تستطيعوا مواجهتها حتى الآن !!
كان رد المسلم غريبا وباهتا حين قال : "أنتم لكم الأرض ، ونحن لنا السماء"!!
ولعل هذه الإجابة غير الشافية فتحت للضابط المستعمر فرصة جديدة للنيل من المسلمين ، كما أنها عكست حالة البعد عن فرصة جديدة للنيل من المسلمين ، كما أنها عكست حالة البعد عن فهم روح الإسلام التي عاني منها سواد الأمة ، ممن قدر لهم الوقوع تحت حكم الاستعمار الغربي الذي استثمر ضعف المسلمين وجير بعض جهلهم لصالح أهدافه الخاصة .
إن ترك الأرض للغرب المتمدن وطرق باب السماء والسياحة الروحية في الملكوت الأعلى هو مطلب الإسلام من أتباعه – حسب الفهم الذي استقر في ذهن الدليل الموريتاني وقطاع عريض من الأمة – وهذا الفهم يختزل الإسلام في طقوس تعبدية لا تستوعب حركته في الليل والنهار .
وبهذه النظرية العارية عن الصحة يصبح الإسلام دينا كهنوتيا لا شان له بالفوضى العارمة في الأرض ، وكل مطلبه من أتباعه بعض من الركيعات يؤدونها في اليوم والليلة تخلصهم من الشعور بالظلم والقهر ، وتدخلهم في ملكوت الله حيث الرضوان والنعيم المقيم !!
إن من الإسراف على النفس أن تكون هذه النظرة الضيقة في فهم الدين قائمة حتى اللحظة ، دون أن يطرأ عليها التصحيح الذي يتناسب وحقيقة الإسلام ، رغم الكتابات الجادة والموضوعية التي تبنت مطلب إعادة الوعي إلى العقل المسلم ، وأخذت على عاتقها إعادة تشكيله من جديد .
الأمر الذي يبعث على الغضب والاستياء ، ويؤكد أن ترميم ذلك العقل ، بل وإعادة هندسته من جديد احد اخطر القضايا الفكرية التي نعاني منها اليوم ، والتي أدى الإهمال في معالجتها إلى تفشي روح الكسل ، والنفور من العمل الجاد إضافة لضعف الدافعية نحو انجاز الأعمال على الصورة اللائقة ، والتضحية بالمواقف التي تؤكد قدرة أفراد هذه الأمة على انجاز أدوارهم الحضارية التي طالها الإهمال والتعطيل!!
لو كان هناك إحساس بأهمية التقاط المبادرة من جديد لكنا قد وقفنا على سلوكيات ناضجة تتسم بالاعتدال ، وتنظم حركة المجتمع في اتجاه استباق الزمن ، وصناعة النجاح وفق مطالبه العليا وشروطه الثابتة .
لقد جاءت خسائرنا من الفهم المبستر للإسلام هائلة ، وجر الجهل علينا ويلات وشرورا بتنا نكتوي اليوم بنيرانها ، ونلمسها في ذلك التهافت على الهروب من الأبواب الخلفية ، وغلبة الـ "أنا" السفلى وانحطاط الهمم ، وعدم احترام الزمن ، وكل تلك الممارسات كانت ومازالت أشواكا على الطريق ، تقطع الرحلة ، وتمنع الوصول الى بر الأمان!!

ليست هناك تعليقات: