الأحد، 24 أغسطس 2008

القمر ... أنشودة الليل

عندما يبدأ الليل يمد خيوطه السوداء ليحيك عباءة من الظلام الدامس فنسدل مستبدا في كل مكان ، تبدأ يد الهدوء باللعب على أوتار قيثارة فعمة بالحب والأشواق لتعزف لحنا للصمت الخالد في كل ليل ، لتنشق على إثره لوحة من ضياء تزف على جنباتها قرصا لؤلؤيا موشى بالخيوط الفضية ، ومزركشا بالنور الهادئ والنقاء ، ليمتد بأشعته الزاخرة بالشقاوة والكبرياء لقلوب انتظرت وجهه القادم من تجاعيد السماء الليلكية ..فما تلبث هذه الأفئدة والصدور إلا أن تبث آهاتها وأنات عواطفها من زفرات متعبة من مسالك أحزاننا اليومية ...فتؤثر هذه الأصوات كبصمات باقية على جبين ليل قادم بعد انتظار ...تراه كيف يمضي هذا القادم الأسود على الناس؟
يمضي طويلا على المتألمين ...وعذبا رقراقا على المتأملين ...وليلا ديكتاتوريا مخيفا على المرضى والعاشقين ..ويصبح ليلنا الطبيعي الدامس لوحة جمال ودفء مضيء على من يعرف لغة الوصل والرضا مع أكرم الخالقين...لتنقلب ساعات هذا الليل إلى ذكريات نخطها على الصفحة الأولى من حياتنا ، ليسهل استرجاعها وتعيد ألقنا وقت تتراكم المتاعب والأحزان...
هو كنغمة أمل باقية في ساعة عسرة زائلة ، وكنسمة عطر فائحة في أجواء الوجوم والهموم ، يمدنا بدفق لا تلقائيا في حياتنا مسلكا جديدا لم نكن نلحظه للسرور والحبور...
في كل يوم يطل علينا...لكن صورته تختلف من يوم لآخر ، بل من ساعة لأخرى وذلك حسبما تضفيه علينا أعماقنا الإنسانية من مشاعر وأحاسيس تشق طريقها لساحة رؤيتنا للأمور ..فينسف بهدوئه تاريخ يوم حافل بالفوضى والسرعة ...ويلغي ماضيا ربما أثقلناه بالهموم ...وربما حرك لحظ العيون لتذرف بدورها أغلى ما تملك ...ومن يدري لربما كان هذا طريق العودة والأوبة لنفوسنا التي تبحث عن صفاءها وسكينتها بعدما نغسلها بعبرات غاضبة ملى ما قدمت أيدينا ...تائبة على ما أضعناه من عمرنا...هو هكذا يطرق بابنا زائرا مع كل ليل ، يحرك ما بداخلنا ، ويقلب برود مشاعرنا ، ويعيد الطريق القويم لكل تائه يبحث عن خلاصه ، فيعد قلوبنا بخفق مختلف...ويعيدنا إلى عهد النقاء والصفاء...ليلمس بريشته الفضية بقعة كدنا نمحوها بذنوبنا تاركا بصمة بيضاء في حياتنا الصماء

ليست هناك تعليقات: