السبت، 6 سبتمبر 2008

أني أعتذر يا أبي

لقد تعبت ياأبي. لم أعد قادراً على احتمال العالم. الضغوط التي أعانيها تجاوزت حدود الاحتمال، ولم أعد قادراً على الصمود. كنت (أرى ماأريد) حتى اكتشفت أن العالم ليس كما ينبغي. الأصدقاء تتوالى خياناتهم. ويوماً بعد يوم يتّضح لي أكثر أن الإنسان كائن وحيد. أنا وحيد ياأبي، وكل الذين يحيطون بي وحيدون، لكنّهم يتشاغلون عن الوحشة بافتعال الخلافات والحسد والمنافسة، كلهم يتصارعون كي يتناسوا هذه الوحدة القاتلة التي تحيط بنا. صبرتُ طويلاً ياأبي.. عاندت وقاومت.. توهّمت أهدافاً أريد تحقيقها ثم اكتشفت - متأخراً - فداحة أوهامي وأنني كنت (أرى ماأريد) وأحاول تحصين نفسي وأسرتي، وأكافح كي يستمر حلمي بوطن رحب جميل يغدو كما ينبغي. لكنني فُجعت ياأبي.. فالقيم النبيلة حبر على ورق، وكلمات تلوكها الألسن ولا تدركها القلوب.. وكل الذين نحبهم ماهم سوى كائنات ورقية يفسدها التجسّد بعد أول مصافحة لاتليق… أو هم يغادرون سريعاً كي نُفجَع بهم. تعبت ياأبي.. ولأن الطفل النزق لاتزال طفولته تكبر في داخلي، قررت الاستسلام. تعبت ياأبي فاعذرني.. سأسلّم مركبي للريح وأستريح.. تكشّف زيف الأحلام، واتّضحت عبثية اللهاث. خذ ماتشاء أيها العالم الصلب من ليونة عمري الذاوي. فقط، دعوني أسترح.. تعبت ياأبي.. فلا الحب حب، ولا الصدق صدق، ولم يعد للصداقة معنى. بدأت الأمور تتساوى في داخلي، والظلام يلفّ أعماقي.. والوحدة تشتد. حقوقي تتسرّب مع مجاري المياه، وواجباتي تتراكم كجبل يستريح على صدري.. حتى تعبت.. اعذرني ياأبي.. أيها العالم الجميل اعذرني.. يامن تحبونني اعذروني، لم أعد قادراً على الصمود. خذوا ماتشاؤون أيها الراغبون، خذوا كل مالدي كي أستعيد سكينتي. آهٍ كم أرغب أن أستيقظ ذات صباح.. أتناول قهوتي.. أعدّ حقائبي.. أودّع الأصدقاء وأعتذر لكل الذين أسأت إليهم لأنني أسأت فهمهم.. أجمع أسرتي.. أكتب الوصية ثم أغادرهم بسلام.

هناك 3 تعليقات:

Unknown يقول...

انتظر بني..ها أنت بدأت تسبر أغوار الحقيقة. انتظر فهذه مقبلات الحياة وانت مازلت صغيرا. لكني فخور بك فخور باعتذارك متفهم للواقع المزيف والمثالية الجوفاء. نعم.. أعرف ما تقول تماما وأخاف عليك أن تؤول لمثل ما أنا فيه الان؛عندما كنت في عمرك، واكتشفت اكتشافك اعتذرت باعتذارك وقررت الاستسلام وسلمت مركبي للريح لكني .. لكني لم أستريح. لم تكن الرياح في صفي ولم يكن الزمان مواتيا لسفري فاستعجلت المسير.. ولا مسير.. ها أنا ذا في مكاني لأني تعبت ولم أعد قادرا على الصمود ولم يبق من تلك المأساة إلا الوصية يومها ولم أغادر.

أي بني.. إني سأعدك للرحيل بنفسي فخذ أمتعتك وأعد حقائبك، سأحاول أن أتفادي الأمواج التي لفظتني للشاطئ مرة تلو المرة وسأدفعك بقوة نحو وطن رحب جميل حيث تجد المطر.. والحب.. والصدق.. والقيم. فإذا ما وصلت هناك فتناول قهوتك وأشعر بعزتك واملء حياتك بما كنت (ترى ما تريد) فليس هناك مجاري تتسرب فيها الحقوق.

أوراق الخريف يقول...

آآآآه أبي ، أين أنت ، كم أشتاق الى كلامك الجميل ، وحديثك العذب ...
آآآآه أبي ، أرجوك لا تبتعد أكثر ، فأنني بحاجة إليك دائما ، بحاجة إلى قلبك الصافي ، الذي يريدني أن أبقى في المقدمة ....
آآآآه ابي ، كلماتك دخلت قلبي ، وفتحت عيوني التي أصابها السهاد من الأرق ، أعادت إلي الحياة من جديد ...
نعم أبي ...لم يبقي لي في هذه الدنيا غيرك ، يرشدني ويوجهني ، كلهم بقربي ، لكنهم لا يشبهونك ...
أبي ، كلماتك نقشت في صدري ، أرجو الله أن لا يحرمني منك ، فصعب أن أجد في هذه الحياة قلبا يأويني ...
نعم أبي ، طائرتي ستقلع قريبا ، حيث تحفظ حقوقي ، وتقدر إمكانياتي ...
أبي ،، أبي ،، أبي ...ستفخر أن لك ابنا رفع اسمك ... قريبا..!

Unknown يقول...

أبي ... كيف أبدأ رسالتي وأنا إذ أمسكت بقلمي هذا وهممت أن أكتب لك .. كأن قلمي لم يعرف الكتابة من قبل وكأن المداد فيه لا يعرف من الهجاء إلا علامات الإكبار وحروف الإجلال . وتهرب مني الكلمات , حتى لا أجد منها كلمة واحدة تقف على حدود معنى بسيط مما أريد أن أقوله لك , وأي ألفاظ تلك التي أرتبها فتصور لك ما في صدري ؟ أو أتخيل أنها تصور لك ما في صدري ؟ ماذا أكتب لك.. وأنت أبي ؟ رسالة شكر .. ؟
رسالة عرفان ..؟ رسالة تقدير ..؟ أي شكر وأي عرفان وأي تقدير .. ؟ وقد جعلك الله سبب وجودي . ماذا أكتب وأنت أبي ..؟
أبي ... ما أعظمها من كلمة ... ما إن أنطق بها إلا وأشعر أنني غارقة في الخجل , مطأطأة الرأس .. ساهمة الطرف . إجلالا وإكبارا واحتراما
أبي ... عندما أقولها أشعر بالدفء والأمان . والحب والعطاء الذي لا مثيل له . أبي ... أي حرمان لهذا الذي لا يعرف كلمة أبي ولا ينطق بها ...
أبي ... تكاد تهتز الدنيا من حولي وأنا أقولها .. أبي ... ما أكبر تلك الكلمة وما أثقلها ميزانا . أبي ... كلمة أبت أن تخضع لوصف أو تنطوي على تصنيف.
أبت أن تدخل حيز إدراك المعاني , ترى الحياة في أن تذوب أمام كلمة إبنتي , ولا تعرف من تكون وأين تكون ؟ وتستحيل إلى يد انبسطت بكل أسباب الحب وكل أسباب الخير وكل أسباب العطاء وكل أسباب الغفران . وكأن الله لم يخلق فيها هنا إلا تلك المعاني التي عز عليها أن تتخلى عن موقع لنقيض .
أبي ... أيها المعنى الكبير والعطاء الكبير والحنان الكبير . ماذا أكتب لك ...؟ وانسى كل الكلمات . وأقف ... وأجد يدي ترتفع إلى رأسي ثم تنبسط وتسبقني إليك , وترحل الأشياء من رأسي ولا تبقى إلا أبي . ثم أنحني وأطبع قبلة على يدك الطاهرة وراسك الطاهر . وأقرأ في صفحة وجهك الطلق أيام عمري ... يتبدد خوفي وتصير الدنيا في كفي . كيف الحياة بلا أبي ..؟ لكأن الله خلق العطاء وقال له كن رجلا وامرأة فكان أبي وأمي . ثم قال للحنان كن معه ولكأن الله خلق قلبين وملأهما نورا وعطرا وجلالا ثم قال لهما كونا لاثنين فكانا لأبي وأمي . لو كان لكل أب حق على ابنته لكان أعظم حق لوالد على ابنته ذلك الذي لك علي . واغلق قلبي على تلك المعاني حتى إذا سمعت كلمة أبي يقولها أحد .. فإنها لا تعني عندي إلا أبي .