السبت، 27 سبتمبر 2008

ومن أين للحمار بعقل مثل عقل سيدنا الوالي !!

يروى أن أحد الولاة وقف على باب جحا وقد كان يعمل طحانا فرأى الحمار يدور بالرحى يطحن القمح وفي عنقه جرس فقال الوالي لجحا متسائلاً: لماذا وضعت الجرس عند الحمار.. قال جحا: ربما ذهبت إلى خارج المطحن أو إلى غرفة الخزين, فإذا لم أسمع الجرس عرفت أن الحمار قد توقف عن الدوران. فقال الوالي: فما رأيك إذا وقف الحمار وحرك رأسه بالجرس. فقال جحا على الفور: أطال الله عمرك يا مولاي أين الحمار الذي له مثل عقل الوالي!
أضحكتني كثيرا هذه النكتة ، مع أنني سمعتها مرات عديدة ، لكن وقعها كان مختلفا هذه المرة .
كنت في زيارة لأحد أقاربي والذي يعمل مديرا في إحدى الشركات ، وأخذنا الحديث ، ثم سألته متى يبدأ الدوام لديكم في رمضان ، فقال من الساعة التاسعة وينتهي في الثالثة ، فقلت حسنا ، وكيف هو أداء الموظفين ، فابتسم وقال : جيد إذا كنت موجود ، وعندما أغيب ما في إلا النوم . مباشرة خطرت لي نكته جحا والحمار والوالي ، ففكرت أن اقترح عليه أن يضع جرسا في رقبة كل موظف فأحسست أن هذا غير منطقي وابتسمت ، لماذا ؟ لأنه من الممكن أن يهز أخونا الموظف رأسه وهو جالس في مكانه وبذلك لم نغير شيئا .
ثم جاءتني فكرة أفضل وهي أن نضع حمارا بديلا عن كل موظف ، ونشرح له عمله خطوة خطوة ، وبذلك ضربنا عدة عصافير بمقلاع واحد ، ولا اعتقد أن الحمار سيفكر ولو للحظة بهز الجرس وهو جالس في مكانه بدون عمل .
فطرحت الفكرة على قريبي ، الذي لم يتمالك نفسه واخذ يقهقه عاليا ، فقال لي : والله فكرة ، خلاص سأدرس الموضوع في التعيينات القادمة ، وضحكنا معا .
وأنا في طريق العودة أخذت أفكر فوجدتني أصاب بنوبة إحباط غريبة على الوضع الذي وصلنا إليه ، هل نحن نعمل من اجل العمل فقط واستلام الراتب ، أم أن الغاية اكبر من ذلك ، ولماذا يعمل الموظف بإخلاص وبكل طاقته عندما يوجد من يتابعه ، ويغط في سبات عميق عندما يغيب الرقيب ، أي حالة مرضية هذه التي وصلنا إليها .
الدنمارك مثلا هذه الدولة الصغيرة التي لا تتعدى مساحتها 43,094 كم مربع وعدد سكانها 5,397,640 يبلغ إنتاجها القومي الاجمالي 170 مليار دولار أمريكي ولدى البلاد اكتفاء ذاتي من النفط والغاز ومقارنة مع إنتاج الدول العربية مجتمعة لا مجال للمقارنة .
وأخذني التفكير مرة أخرى وما هي إلا لحظات حتى أجد أمامي زحاما شديدا ، والسيارات متوقفة وأصحابها يمنعون احد السائقين من ضرب سائق إحدى الليموزينات ، لم افهم ماذا يحدث ، لكنني جلست أتأمل وأنا في سيارتي لماذا يحصل هذا في هذا الشهر الكريم ، وقد كان قدوتنا صلى الله عليه وسلم كالريح المرسلة في رمضان بأخلاقه وحسن تعامله ، وكنت أقول في نفسي لو أن هذا الشخص المعتدي كان أمام مديره فلا أظن انه سيكون بربع هذه الحالة من الهيجان والتلفظ السيئ ، ولكن غياب الرقيب الداخلي لدينا جعلنا لا ندرك ماذا نفعل .
وانطلقت في طريقي ، وبعد خمس دقايق فقط إذا بالإشارة تصبح حمراء فنقف جميعا ماعدا احد السائقين لم يعترف بهذا اللون ، ربما لم يرق له ، أو ربما كان من المناهضين لحملة تعظيم اللون الأحمر وعدم إعطاء بقية الألوان حقوقها .
عندما رجعت إلى المنزل استلقيت على فراشي وأخذت انظر في واقعنا العربي ، حيث مظاهر التخلف تنتشر في كل مكان ، فأين ذلك الإنتاج الفكري والاقتصادي والصناعي والمعنوي مقارنة بالإنتاج الغربي ، ولماذا لم نبذل ولو القليل في محاولة يائسة للحاق بهم ، أم أن الرضا بالقسمة هي فلسفتنا ، هل صدق ذلك العربي البسيط عندما سأله ذلك الفرنسي الذي يستعمر أرضه بان فرنسا صاحبة انجازات جبارة يشهد لها التاريخ وصاحبة حضارة خالدة عجزت بقية الدول أن تحذو حذوها ، فأجابه صاحبنا العربي المسلم إجابة بسيطة تمثل ثقافة سائدة لدى الكثير منا وتنبؤك بأمر خطير في فهمنا لمعنى أن الآخرة هي الغاية فقط ، قال صاحبنا للفرنسي : لكم الدنيا ولنا الآخرة ، فلم يكن من الفرنسي إلا أن صمت استغرابا من إجابة غريبة تكرس مفهوم لسيادة البطالة بين أبناء المسلمين .
وأي انتكاسة فكرية أوهمتنا أن من نام وجد ومن اقتلع حصد ، وأي عار يلحق بنا إذا لم نكن نعمل ونبدع إلا بوجود العصا والرقيب ، هل مات فينا الإحساس بأننا أمة عظيمة أنجبت نجوما عبر التاريخ مازالت أمجادهم ترفع ذكرهم عاليا ، أم أن التاريخ انتهى عند حدود ما وصلت إليه أقدامهم وسحب البساط عندما وضعنا أقدامنا عليه لأننا لا نستحقه ، من هو ذاك الرقيب الذي جعل حياة الرسول كلها انجازات وتضحيات ودعوة لإعلاء رسالة سماوية امن بها وجرت في دمائه ، من هو ذاك الرقيب الذي جعل ابوبكر يتبرع بكل ماله وحياته لقضية آمن بها ، من هو ذاك الرقيب الذي جعل عمر يقول والله لو عثرت بغلة بالفرات لخفت ان اسأل عنها ، من هو ذاك الرقيب الذي اخرج لنا هذه النماذج الفريدة ، من هو ذاك الرقيب الذي أحيا الأمل في هذه القلوب بأنه لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى .
لكن ، ماذا حصل اليوم ؟ هل غاب الرقيب أم نحن الذين غبنا ؟ هل نام الرقيب أم نحن الذين نمنا ؟ هل انشغل الرقيب أم نحن الذين انشغلنا ؟ أم اختلف الرقيب أم نحن الذين اختلفنا ؟
الإجابة عندي وعندك ، سهلة ممتنعة ، وحتى نلمس حقيقتها ، يجب أن نخلع هذه الأجراس عن صدورنا ، ولنخفف الرنين قليلا ، فلا أجمل من جرس داخلي ينبه صاحبه ولو كان وحيدا في أعماق البحار وكل مغريات الدنيا بين يديه .

ليست هناك تعليقات: