الأحد، 7 سبتمبر 2008

البحث عن الحقيقة

من المزعج جدا أن ينحصر الخير والحق في جهة دون أخرى وأناس دون آخرين ومن الجهل أن يقدس كلامهم وتهمش آراء الآخرين ويؤخذ برأيهم دون جدال أو اعتراض أو حتى استفسار . لماذا ؟ كيف ؟ من قال ذلك ؟ ما هي الأدلة الداعمة لهذا الرأي ؟ هذه للأسف تعتبر وكأنها أسئلة محرمة لا يجوز لنا أن نطرحها أو نناقشها، كل ما علينا هو أن نسلم بها كما جاءتنا. إن هذه الصورة حقيقة يعيشها كثير من الناس حيث كان من الصعب جدا إبداء الرأي المخالف بل ويعتبر بمثابة إعلان حرب على الأخر.
يقول علي كرم الله وجهه ( من أعجب برأيه فقد ضل ) ويقول عمر الفاروق رضي الله عنه ( أصابت امرأة وأخطأ عمر ) وفي الحكمة العربية نقرأ أن ( الأحمق لا يغير رأيه أبدا) . إن مثل هذه الأقوال تدل دلالة واضحة عن موروث ثقافي رائع ولكنه مختبئ بين تلك الأوراق البالية على رفوف المكتبات ولسنا الآن بصدد مناقشة عوامل التعرية التي أودت بتلك المفاهيم أو أسبابها ونشأتها ولكننا بصدد تقرير وتأكيد بأن علينا تقبل الأخر وطرح مساحة للرأي حتى يتكلم الإنسان ويفكر ، إن من حقوق الإنسان الحر أن يبدي رأيه حتى لو كان مخالفا لما نشتهي بل وندافع عن حقه في إبدائه ونناقش فكرته بعين المصلحة العامة والمنطق السليم عن طريق الحوار البناء الذي بدأ يدب في أوساط مجتمعنا العربي كنوع من التجديد والهروب من الجمود الفكري الذي أصاب عالمنا في قرونه المتأخرة .
وإذا كنا نشجع ثقافة الحوار فمن الجميل أن نستقي الماء من معينه وأن نعرف بداية ما هو الحوار ؟ الحوار في اللغة أصله من الحور وهو الرجوع عن الشيء وإلى الشيء . واصطلاحا : مراجعة الكلام بين طرفين أو أكثر بطريقة التداول . وقيل في معنى الحوار هو مراجعة الكلام والحديث بين طرفين ينتقل من الأول للأخر ثم يعود للأول وهكذا، دون أن يكون بين هذين الطرفين ما يدل على خصومة !. ولا تضارب بين الاعتزاز بالرأي والتنازل عنه بل إن من مقاصد الحوار رؤية موضوع معين من زوايا الآخرين. يقول الدكتور عبد الكريم بكار ( إن تعدد زوايا النظر شيء مشروع في كثير من الأحيان. كلما زادت درجة التعقيد في المعطيات كان من المنهجية أن نزيد في درجة المرونة خلال المعالجة والتنظير ) ويقول الدكتور غازي القصيبي (أن الفكرة الواحدة عندما تدخل ألف رأس قد تدخله بألف رداء ) . ومن هنا يمكن القول أن الحوار مطلب مهم في جميع المجالات إلا أن يمس المسلمات أو يتعدى على العقائد . لأن ما دون ذلك يكون في الغالب من صنع البشر ويجوز للإنسان المشاركة والتطوير فيما هو من صنع بني جنسه. فليس هناك حرية مطلقة في كل المجالات ولا قداسة مبهمة دون العقائد والمسلمات ، فللجميع أن يبدي رأيه وللجميع أيضا أن يفكر في قبوله أو رفضه .
ومادمنا قد استعرضنا نموذج للحوار الذي نريد دعونا نتطرق لأخطائه الشائعة على أرض الواقع ومنها : أن يجعل من الحوار ساحة للانقضاض والمواجهة بين الخير والشر واليمين واليسار والطيب والخبيث وفي الغالب أنك لن تخرج من مثل هذه الحوارات إلا بمزيد من مفردات الطعن والتجريح وهذا يبدو أمرا مثيرا للسخرية !!. لأنه ليس من المنطقي أبدا أن نحصر الألوان في ابيض وأسود والحياة في ولادة وموت والبحر في سطح وقاع ونتجاهل ما بينهما. وهذا ينعكس بصورة واضحة في عقم حواراتنا على مستوى الإعلام و المجتمع . ومن زاوية أخرى وفي نفس السياق نجد أن من العدل والإنصاف ألا نطلق الأحكام المسبقة على كلام الشخص ونحكم على رأيه من دون أن نفكر فيما يقول بل نغض الطرف عن التصنيفات السياسية والانتماءات الشخصية والتيارات الدينية ونغوص بعيدا عن هذه القشور إلى أعماق البحر نستمع.. ونفكر.. ونجتهد.. وفي نهاية المطاف ليس هناك شيء ملزم بالأخذ أو التخلي عن فكرة ما ولكنه البحث عن الحقيقة .

ليست هناك تعليقات: