الأحد، 7 سبتمبر 2008

التحكم في الحياة

استوقفتني صورة في مجلة من المجلات العالمية في موقف لم تكن تعنيه لكنه أوصل لي رسالة مهمة ونحن في أمس الحاجة لها . كانت الصورة لقطار فرنسي عادي ( المترو ) وكان الموضوع عن القطارات والصورة تحمل خمسة أشخاص على رصيف أصفر وقطار يستعد للوقوف . بيت القصيد هو وضعية هؤلاء الأشخاص فقد كان واحداً منهم يقرأ الجريدة والثاني يحمل حقيبة العمل في يد و قهوته في اليد الأخرى والثالث كانت فتاة تقرأ في كتاب ضخم يشبه الرواية والرابع قادم من أعماق الصورة وهو يكلم بهاتفه المحمول وأما الخامس فهو ينظر للساعة .. إنني أحترم هذه النظرة وهذا مشهد مألوف لمن ألف التحضر وعرف دور الوقت في نسج الحضارة المادية الملموسة . إنه حس معنوي رفيع يعكس جماله وروعته على واجهات الأبنية الجميلة وغزارة الكتب المفيدة ولوحات الرسم الزيتية.
إن ما يميز الرجل أو يعيبه هو سيطرته على الوقت. متى يأتي، ومتى يذهب، لأن هذا يعني بالضرورة أنه يعرف لماذا سيأتي وماذا سيقول، وبالتالي فهو يحضر للقاء بكل حرص وعناية مما يعكس احترامه لنفسه أولاً ثم لمن سيقابل ثانياً. وأعود لنظرة الرجل لساعته وأترجمها مرة أخرى بأنها نظرة للحياة وهي توحي بأنه رجل له أهداف يعرف ماذا سيعمل الآن وما الذي سينجزه غداً.
وعلى خلفية الوقت لي صديق يهتم بالوقت ويسجل مواعيده بعناية وذات يوم اتصل على مسؤول في شركة كبيرة وطلب منه موعداً وقال أنه يريد منه أمراً . فقال المسؤول اتصل بي يوم السبت أو الأحد صباحاً فرد عليه: يناسبك أن أتصل عليك الساعة 10:30 صباحاً يوم السبت . قال المسؤول : نعم . وجاء الوقت المحدد فاتصل الصديق على المسؤول فقال متى ألقاك ؟ قال : يوم الأربعاء صباحاً . عفواً متى تحديداً . قال : الساعة 10 أو 11 تقريباً . فحسم صديقي الموقف قائلاً أعتمد الساعة 10 صباحاً؟ قال المسؤول : موافق . وفي الموعد المحدد يتصل الرجل على المسؤول ويفاجئ بأنه يعتذر عن مقابلته !! حدد موعداً آخراً في وقت لاحق وقد أعطى درساً قاسياً لذلك المسؤول . وفي الموعد الثاني يعتذر المسؤول مرة أخرى ويتلقى الصفعة الأخرى من شاب أصغر منه سناً . فقال المسؤول بكل خجل وانكسار: أنا موافق على ما تريده من دون أن أعرف ما هو وموعد اللقاء كذا وكذا .
ما أريد الخلوص إليه في هذه القصة هو أننا لن نخسر شيئاً عند التزامنا بالمواعيد المحددة، وفي الغالب نكون قد كسبنا احترام الناس لنا على الأقل مثل الذي حدث في قصة الصديق . دعونا نعيد احترام الوقت ونحاول السيطرة عليه والتحكم فيه . فهو حياتنا وعمرنا وأعمالنا وعباداتنا والأثر الذي نتركه من بعدنا. دعونا نتلمس معاني المفردات التي تردد على ألسنتنا، ونتقدم نحن كقدوات لمجتمعاتنا، هيا ندرك الألفاظ ونعمل بالمعاني ونحترم أوقاتنا وننشر هذه الثقافة بين أهلينا وأصدقائنا.
وسوف أختم مقالتي هذه بأن أتراجع عن قراري بترك ساعة اليد - لأنني كنت أقول أن الساعة موجودة في كل مكان ولا حاجة لها في يدي - وسوف أعيدها إلى يدي تقديرا للوقت وسأبدأ بنفسي أولاً في تنظيم المواعيد والتحكم في حياتي عن طريق التحكم في الوقت وأنشر هذه الثقافة بين أهلي وأصدقائي عبر هذه المقالة.

ليست هناك تعليقات: